تعتبر رعاية الأطفال وتنشئتهم وتمكينهم من أقدم وأقوى قيم المجتمع الإماراتي. لقد هدفت التقاليد المجتمعية دائمًا إلى حماية الأطفال، وتوفير كافة أشكال الرعاية لهم، وتمكينهم من تكوين شخصيات مستقلة وتحديد خياراتهم بأنفسهم.
مع تأسيس دولة الإمارات العربية المتحدة عام 1971، أصبحت القيم المجتمعية القائمة المتعلقة بالطفل حجر الزاوية في التخطيط الاستراتيجي للدولة، ونموذجها التنموي.
يجسد دستور دولة الإمارات القيم الاجتماعية التي قامت عليها الدولة، وفي مقدمتها ما ذكرته المادة 15 التي شددت على أن الأسرة "أساس المجتمع"، أما المادة 16 فذكرت أن المجتمع "يشمل برعايته الطفولة والأمومة ويحمي القُصًر"، في حين تؤكد الماده 17 على إلزامية التعليم ودوره المحوري في التطور الاجتماعي.
وتعززت مكانة حقوق الطفل بشكل أكبر من خلال توقيع دولة الإمارات عام 1997، وما تبع ذلك من إقرار تشريعات فعّالة. وتم بالفعل تنفيذ سياسات متقدمة وتقديم العديد من المبادرات لدعم الأطفال أثناء نموهم بهدف تطوير قدراتهم.
ويقوم نموذج رعاية الأطفال وحمايتهم وتمكينهم في دولة الإمارات على مقاربة متكاملة تبدأ منذ الولادة، من خلال أنظمة الرعاية الصحية والتعليم وسائر البرامج الداعمة مثل السياسة الوطنية للأسرة التي تدعم حق الطفل في العيش ضمن بيئة آمنة وصحية تتيح له تحقيق السعادة في أسرة مستقرة.
التشريعات في مجال حقوق الطفل في دولة الإمارات
شهدت المسيرة القانونية المرتبطة بحقوق الطفل في دولة الإمارات إقرار عدد من القوانين والأنظمة لحماية وتمكين الطفل، كما تواصل الدولة بشكل دوري تطوير هياكلها القانونية لتعزيز حقوق الطفل على المستويات المحلية والوطنية والدولية، ويشمل ذلك:
التشريعات الوطنية :
التشريعات الدولية :
لقد كان العام 2012 عاما محوريا في تاريخ التشريعات الخاصة بالطفولة، فقد أطلقت دولة الإمارات ورشة قانونية أدت في العام 2016 إلى صدور ما عُرف باسم "قانون وديمة" الذي خلّد اسم الطفلة "وديمة" التي كانت قد توفت إثر تعرضها للتعنيف.
ويضم القانون الحقوق الأساسية والحقوق الأسرية والصحية والتعليمية والثقافية للأطفال، كحقهم في الرعاية والنفقة والخدمات الصحية وحمايتهم من مخاطر التلوث البيئي ومن الإصابة بالأمراض المعدية ومن بيع التبغ أو المنتجات الكحولية لهم أو حتى التدخين في وسائل المواصلات العامة بوجودهم.
وأكد القانون حق كل طفل في التعليم، وحظر أشكال العنف كافة في المؤسسات التعليمية، وحمايتهم من الاستغلال أو سوء المعاملة، وحظر تعريضهم للإهمال، أو التشرد، أو التسول، أو تعريض سلامتهم البدنية أو توازنهم النفسي والعاطفي والأخلاقي للخطر. كما تضمن القانون المقترح آلية واضحة لتوفير الحماية عن طريق إنشاء وحدات لحماية الطفل في دولة الإمارات تتضمن أخصائيين في مجال حماية الطفولة يتمتعون بصفة الضبطية القضائية ويمكنهم التدخل الوقائي والعلاجي في جميع الحالات التي تهدد صحة الطفل وسلامته بالتنسيق مع الجهات المختصة وضمن الأنظمة والقوانين المعمول بها.
كما شدد القانون على ضرورة إبلاغ أخصائيي حماية الطفولة إذا كان هناك أي تقرير يفيد بتعرض طفل للتهديد ويكون الإبلاغ وجوبا بحق الجميع، وخاصة المربين والأطباء والأخصائيين الاجتماعيين والمكلفين بحماية ورعاية الأطفال. كما نص القانون على ضرورة أن يقوم كل شخص بالغ بمساعدة أي طفل يطلب منه إبلاغ السلطات المختصة بمعاناة ذلك الطفل أو أي طفل آخر، كما نظم حضانة الأطفال وحدد عقوبات صارمة لأي استغلال لهم لأهداف جنسية.
وأحدث القانون نقلة نوعية على مستوى المنطقة العربية في التعامل مع حقوق الطفل وتمكينه، وقال صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي "رعاه الله"، عند اعتماد مجلس الوزراء للقانون، إن لجميع الأطفال دون تمييز الحق في حياة آمنة وبيئة مستقرة ورعاية دائمة وحماية من أية مخاطر أو انتهاكات. مضيفاً أن دولة الإمارات لن تتهاون أبداً مع من ينتهك حقوق الطفل الأساسي التي تعتبر "خط أحمر" لا بد أن يتكاتف المجتمع كله لحمايته.
وتجسيدا للمناسبة التاريخية المتمثلة في صدور هذا القانون وتأكيداً على دور الطفل المركزي في رؤية الدولة لمستقبلها، تحتفل دولة الإمارات في ذكرى نشر القانون في الجريدة الرسمية، والموافق 15 مارس من كل عام بـ"يوم الطفل الإماراتي" وذلك تجديداً للالتزامات تجاه جميع الأطفال في الدولة وتأكيداً لمكانة الطفل على جدول الأعمال الوطني.
نظراً لمكانة الطفل في البيئة التشريعية لدولة الإمارات، تتعدد الجهات الحكومية وشبه الحكومية والخاصة التي تنشط في مجال رعاية وحماية تمكين الأطفال، ومن بين أهم تلك الجهات:
تأسس المجلس في العام 2003 وترأسه "أم الإمارات" سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك، رئيسة الاتحاد النسائي العام، رئيسة المجلس الأعلى للأمومة والطفولة، الرئيسة الأعلى لمؤسسة التنمية الأسرية، ويعمل المجلس على تطوير نهج وطني لتنظيم كل الشؤون المتعلقة بقضايا الأمومة والطفولة، إذ يهدف إلى الارتقاء بمستوى الرعاية والعناية والمتابعة لشؤون الأم والطفل، بالإضافة إلى تقديم الدعم اللازم لهما في جميع المجالات.
منذ تأسيسه، أطلق المجلس مجموعة متكاملة من الخطط والمبادرات الخاصة بالعناية بالطفل، في مقدمتها الاستراتيجية الوطنية للأمومة والطفولة لخمسة أعوام من 2017-2021، وشكلت الاستراتيجية الإطار الرئيسي الذي انطلقت معه الكثير من المؤسسات والمبادرات الخاصة بحماية وتمكين الطفل وحماية حقوقه الأساسية وبينها:
تأسس البرلمان الإماراتي للطفل في فبراير 2020 تماشياً مع الالتزام التام لحكومة دولة الإمارات العربية المتحدة بتعزيز المشاركة الفعّالة لكل الأطفال بما فيهم أصحاب الهمم وأسرهم والمؤسسات ذات الصلة بالقضايا والموضوعات المرتبطة بهم وبتنمية المجتمع وانطلاقاً من المبادئ التوجيهية لاتفاقية حقوق الطفل الدولية "حق الطفل في التعبير عن نفسه وآرائه في كل الشؤون الخاصة به وأخذها بعين الاعتبار".
من حق كل طفل إماراتي أن يرشح نفسه للبرلمان ليتمكن من ممارسة أهم حق من حقوقه ألا وهو "حق المشاركة"، الذي يعد خطوة متقدمة بهدف إيجاد منصة يستطيع من خلالها الأطفال التعبير عما يجول بخاطرهم بكل حرية وما يطمحون إليه من وسائل تسهل عليهم حياتهم وما يحلمون به من مستقبل.
تأسس المجلس عام 2018 وهو منبر للتعبير عن احتياجات الأطفال وتحدياتهم ورؤيتهم لمستقبلهم ومستقبل وطنهم وإعداد جيل قيادي قادر على ممارسة دوره المجتمعي بإيجابية وكفاءة، ويوفر المجلس إطاراً تنظيمياً لتبادل الرأي والنقاش، والتعبير عن أفكارهم وآرائهم وأمانيهم من خلال بيئة ملائمة تمنحهم الثقة بأنفسهم مع تنمية مهارات التفكير، والفهم، واحترام الرأي الآخر، بما يساهم في نموهم وتقدمهم على المستوى الشخصي.
يهدف مجلس الشورى الى تمكين الاطفال من التعبير عن آرائهم في القضايا التي تهمهم، والدخول في مناقشات مع المسؤولين المعنيين حول المواضيع التي تعنيهم بشكل مباشر مثل التعليم والصحة وجودة الحياة.
تقوم بدور أساسي لدعم وتمكين الطفل في مختلف مراحل حياته بدولة الإمارات، وقد أطلقت الوزارة العديد من البرامج والمبادرات وأشرفت على مجموعة واسعة من الخطوات الخاصة برعاية الأطفال وتمكينهم، وفي فبراير 2019، أطلقت الوزارة منصة "الحكومة الرقمية للطفل" التي توفر بيئة رقمية تفاعلية تستهدف الأطفال واليافعين، وتقوم على توظيف الألعاب وتقنيات الواقع الافتراضي لوضعهم في بيئة معرفية تسمح لهم بالمشاركة المجتمعية، ومعرفة الكثير عن الجهات الحكومية في الدولة.
تعمل المنصة على إشراك الأطفال في تحديات ومغامرات توعوية لتعريفهم بالمؤسسات الوطنية والخدمات التي تقدمها الحكومة، وفي الوقت ذاته تحثهم على التحلي بالإيجابية ومساعدة أفراد المجتمع في الوصول إلى تلك الجهات وخدماتها، إنشاءً جيل يدرك واجباته، ويعرف حكومته، ويسهم في تحقيق السعادة في مجتمعه.
تؤمن الوزارة بأهمية التدخل في مرحلة الطفولة المبكرة للأطفال الصغار الذين وقعوا ضحايا أو هم عرضة لخطر إساءة المعاملة أو الإهمال، وكذلك الأطفال الذين يعانون من تأخر في النمو أو إعاقات.
وقد أطلقت الوزارة في هذا الصدد عدة برامج بينها ما يستهدف الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 3 إلى 10 سنوات من أجل تعليمهم كيفية عدم تقبل الإساءة وتدريبهم على الوسائل المناسبة التي يمكن للأطفال اللجوء إليها في حال تعرضهم لأي نوع من أنواع الإساءة باستخدام طرق اتصال مبتكرة تعتمد على استخدام الأساليب المناسبة التي تجذب الأطفال في هذا العمر. وتستخدم الوزارة أنظمة إلكترونية يتم فيه طرح مجموعة متنوعة من الأسئلة للاستفادة من ردود فعل الأطفال ومعلوماتهم وفي نفس الوقت تصحيح المفاهيم الخاطئة لديهم.
أطلقت الوزارة مبادراتي "تواصل" و"نيمو" بهدف توفير وسائل تواصل مع الأطفال المصابين بالتوحد والأطفال الذين يعانون من صعوبة في التواصل. كما عملت الوزارة أيضا على برنامج للكشف المبكر عن الأطفال الذين يعانون من نقص التغذية دون سن الخامسة.
مركز حماية الطفل
تعتبر وزارة الداخلية في دولة الإمارات العربية المتحدة رائدة عالميا في مجال دعم حماية الطفل وإعداد ما يلزم لتعزيزها من خلال بناء القدرات والعمليات وصنع السياسات ذات الصلة. وعلى الصعيد المحلي، فإن مركز حماية الطفل التابع للوزارة هو الهيئة الرائدة التي تشرف على أربعة مجالات رئيسية لحماية الطفل، هي: والوقاية والتوعية، الحماية الرقمية، التحقيق والمتابعة والتنسيق؛ والدعم الاجتماعي.
وقد عقد المركز شراكات مع منصات عالمية رائدة مثل قاعدة بيانات الإنتربول ICSE و NCMEC CyberTipline، ويقدم مجموعة متنوعة من قنوات الإبلاغ التي تُعتبر الأفضل في فئتها، مثل الخط الساخن الذي يعمل على مدار الساعة، والبريد الإلكتروني الرسمي، والنماذج عبر الإنترنت، فضلا عن تطبيق "حمايتي" الذكي عبر الأجهزة المحمولة.
أطلقت وزارة الداخلية الاستراتيجية الوطنية لحماية الطفل على الإنترنت في عام 2020 ، وأطلقت مؤخرًا استراتيجية حماية الطفل 2023-2026 مع 6 أهداف استراتيجية و 4 محاور.
وعلى المستوى الدولي، تستفيد وزارة الداخلية من خبراتها المميزة لتعزيز حماية الطفل حول العالم. منذ عام 2010 ، كانت وزارة الداخلية عضوا نشطا في "القوة العالمية الافتراضية" VGT - وهي مبادرة دولية تجمع أصحاب المصلحة المعنيين بحماية الأطفال من الاستغلال الجنسي عبر الإنترنت وخارجه، وخلال الفترة من 2015 إلى 2018 ، تولت دولة الإمارات العربية المتحدة رئاسة هذه القوة.
واعترافا بدورها القيادي في مجال حماية الطفل، دعيت الوزارة للانضمام إلى التحالف العالمي WePROTECT كعضو دائم في مجلس الإدارة، إلى جانب المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ومؤسس التحالف. واستضافت الوزارة القمة الثانية للمبادرة في أبو ظبي، بمشاركة ممثلين عن 58 بلدا، حيث تم اعتماد نموذج الاستجابة الوطنية وبيان العمل لمكافحة الاستغلال الجنسي للأطفال عبر الإنترنت.
في عام 2020، أطلقت وزارة الداخلية، بالشراكة مع مركز الذكاء الاصطناعي والروبوتات التابع معهد الأمم المتحدة الأقاليمي لأبحاث الجريمة والعدالة، مبادرة الذكاء الاصطناعي من أجل أطفال أكثر أمانا، والتي تهدف إلى معالجة الاستغلال والاعتداء الجنسي على الأطفال عبر الإنترنت من خلال استخدام الذكاء الاصطناعي، وتضم المبادرة اليوم 75 دولة يمكن لضباط القانون فيها الوصول إلى 63 أداة من أدوات الذكاء الاصطناعي المتطورة، معظمها مجاني.
بفضل الجهود المتكاملة لدولة الإمارات على صعيد رعاية وتمكين واحتضان الأطفال، حظيت دولة الإمارات بمراكز متقدمة في المؤشرات الدولية الخاصة بصحة وتعليم الأطفال، خاصة في ظل ارتباط هذه القضايا بأهداف التنمية المستدامة التي يسعى العالم لتحقيقها بحلول العام 2030. ومثلت المؤشرات الدولية شهادة صادقة حول مستوى التقدم الذي حققته برامج الدولة ونموذجها التنموي الخاص بالطفولة وحقوقها ، حيث :